:: الصفحة الرئيسية

الأشاعرة أئمة أهل السنة

الحمد لله رب العلمين وصلى الله على سيدنا محمد وسلم وبعد، ليعلم أن الأشاعرة لخصوا عقيدة الرسول والصحابة.. أغلب أهل السنة والجماعة هم أشاعرة، يعني يتبعون طريقة الإمام أبي الحسن الأشعري في نصرة هذا المذهب.

وأهل السنة هم جمهور الأمة المحمدية وهم الصحابة ومن تبعهم في المعتقد أي أصول الاعتقاد، وهي الأمور الستة المذكورة في حديث جبريل الذي قال فيه الرسول: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره". وأفضل هؤلاء أهل القرون الثلاثة المرادون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" والقرن معناه مائة سنة كما رجح ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر وغيره، وهم المرادون أيضًا بحديث الترمذي وغيره: "أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وفيه قوله: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" صححه الحاكم وقال الترمذي: حسن صحيح، وهم المرادون أيضًا بالجماعة الواردة فيما رواه أبو داود من حديث معاوية: "وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة". والجماعة هم السواد الأعظم ليس معناه صلاة الجماعة، كما يوضح ذلك حديث زيد بن ثابت ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا يُغَل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل، والنصيحة لولي الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من وراءَهم". قال الحافظ ابن حجر: حديث حسن.

 

الماتريدية والأشعرية شأنهم نصرة الحق

واعلموا أن الله تعالى يقول في القرءان الكريم: (وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

إخوة الايمان لقد كان المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على طريقة واحدة لم يكن بينهم خلاف في العقيدة.

ثم ظهرت في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرقة الخوارج ثم ظهرت فيما بعد القدرية وهم المعتزلة وظهرت المرجئة، وفي أيام المأمون العباسي ظهر النجارية وغيرها من الفرق الضالة. ولا زال علماء الإسلام يردون على أهل البدع ليحذرهم الناس، ومن هؤلاء  العلماء أبو الحسن علي بن اسماعيل الأشعري الذي ولد بعد النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وتوفي قبل منتصف القرن الرابع الهجري فقام هذا الإمام بتفنيد شبه أهل الزيغ فلم يسرف في التعطيل ولم يغل في التشبيه وألهمه الله نصرة السنة بحجج المنقول والمعقول، فأثبت لله سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات ونفى عنه ما لا يليق بجلال الله تعالى. فهو رحمه الله لم يبدع رأيًا ولا مذهبًا وإنما هو مقرر لمذاهب السلف مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقًا وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدي به في ذلك، السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًا، فمن هنا جاءت تسمية الأشاعرة نسبة لهذا الامام.

وفي زمن هذا الامام أيضًا قام بنصرة أهل الحق الإمام أبو منصور محمد  بن محمد الماتريدي نسبة إلى ماتريد وهي محلة بسمرقند فيما وراء النهر، فصار له أتباع يدافعون عن عقيدة أهل السنة ويكشفون انحراف المبتدعة من المعتزلة وغيرهم، وعرف المنتسبون  إليه باسم الماتريدية.

فصنف أتباع الماتريدي والأشعري من بعدهما المئات من المجلدات في الرد على المخالفين للإسلام بالحجج الدامغة الكثيرة والمناظرات العديدة، ورفعوا لواء مذهب الأشعري في الخافقين (المشرق والمغرب). وأبرزهم في نشره ثلاثة: الأستاذ أبو بكر بن  فورك، وأبو اسحق الإسفراييني والقاضي الامام أبو بكر الباقلاني، فالأولان نشراه في المشرق والقاضي نشره في المشرق والمغرب، فما جاءت المائة الخامسة إلا والأمة الإسلامية أشعرية وماتريدية  لم يشذ عنهما سوى نزر من المعتزلة وشرذمة من المشبهة وطائفة من الخوارج، فلا تجد عالمًا محققا أو فقيهًا مدققًا إلا وهو أشعري أو ماتريدي.

وعقيدة الأشاعرة والماتريدية واحدة وهي الإيمان بأن الله عز وجل واحد لا شريك له موجود لا يشبه الموجودات لا يحويه المكان ولا يجري عليه زمان ولا يشبهه شىء، لا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء، منزه عن الجلوس والجهة والجوارح والأعضاء ليس كمثله شىء وهو السميع البصير. ومن هؤلاء السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي توفي في سنة 589 هــ  وكان من الذين حملوا لواء الدين بصدق وهمة وكان رجلاً مجاهدًا تقيًا صالحًا علم الناس التوحيد مقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وعاملاً بقوله كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فأحسن التوجيه والتعليم متوكلاً على ربه عز وجل فأعزه الله ونصره.

عباد الله لقد كان السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرًا، عالمًا من علماء أهل السنة يحفظ كتاب التنبيه وكتاب الحماسة في الفقه الشافعي وكان حافظًا للقرءان الكريم وكان زاهدًا يقوم الليل يصلي لله عز وجل ولم يكن منشغلاً بالشهوات والأموال وكان قد بنى المدارس لتعليم الناس علم التوحيد لتعليمهم تنزيه الله تعالى عن مشابهة الخلق  في ذاته وصفاته وأفعاله فإن ذلك هو أهم أمور الدين ولا يستهين بذلك إلا ذو قلب معكوس وفهم منحوس، ولقد كان في أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي عالم جليل يقال له محمد بن هبة المكي ألف عقيدة باسم صلاح الدين فأهداها إليه وفيها هذا الكلام الذي نحن نقرره أن الله تعالى سمعه ليس بجارحة وبصره ليس بجارحة وأن كلامه الذاتي ليس بحرف وصوتٍ، بل في هذا الكتاب تشبيه هؤلاء الذين يعتقدون أن الله متكلم بحرف وصوت، كما نحن نتكلم.

وكان سيدنا صلاح الدين قرر تدريس هذه العقيدة في المدارس حتى للصبيان، ليس للكبار فقط، بل قرّر أيضًا أن تقرأ على المآذن بعد صلاة الصبح لينتفع الناس بها.

ومن الأشاعرة أيضًا السلطان محمدًا الفاتح الذي كان ينزه الله تبارك وتعالى عن المكان والجهة والكيفية والكمية والحد ويعتقد جواز زيارة قبور الأنبياء والصالحين والتبرك بآثارهم والتوسل إلى الله بذواتهم الفاضلة شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الملوك والأمراء كالسلطان صلاح الدين الأيوبي الذي أمر بتدريس العقيدة الأشعرية للأطفال في المدارس ليحصنهم من الزيغ والضلال وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السلطان حين قال ”لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش“ رواه أحمد والحاكم. وفتحت القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح وما امتداح النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه لفاتح القسطنطينية ولجيشه إلا بشرى عظيمة للأشاعرة الذي كان الفاتح منهم ويعتقد معتقدهم ويناضل عنه فالنبي مدح جيش الأشاعرة وأميره والنبي عليه الصلاة والسلام لا يمدح كافرًا أبدًا.

[بعض علماء الأشاعرة]



ثم حَدَثَ بعد مائتين وستين سنة انتشار بدعة المعتزلة وغيرهم فقيَّضَ الله تعالى إمامين جليلين أبا الحسن الأشعري وأبا منصور الماتريدي رضي الله عنهما فقاما بإيضاح عقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم بإيراد أدلة نقلية وعقلية مع رد شبه المعتزلة وهم فرق عديدة بلغ عددهم عشرين فرقة، فقاما بالرد على كل هذه الفرق أَتَم القيام برد شبههم وإبطالها فنُسب إليهما أهل السنة، فصار يقال لأهل السنة أشعريون وماتريديون.

فيجب الاعتناء بمعرفة عقيدة الفرقة الناجية الذين هم السواد الأعظم، وأفضل العلوم علم العقيدة لأنه يبين أصل العقيدة التي هي أصل الدين، وهذا العلم سماه أبو حنيفة الفقه الأكبر. فيا طلاب الحق لا يُهَوِّلَنَّكُم قدح المشبهة المجسمة في هذا العلم بقولهم إنه علم الكلام المذموم لدى السلف، ولم يدروا أن علم الكلام المذموم هو ما ألفه المعتزلة على اختلاف فرقهم والمشبهة على اختلاف فرقهم من كرَّامِيَّةٍ وغيرها فإنهم قد افترقوا إلى عدة فرق بيّنها من ألفوا في بيان الفرق كالإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي.

 

نبذة عن الأشعري.

الله أنعم على المؤمنين واختار لهم ملة إبراهيم وسماها إسلاما ، واصطفى من النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم وجعله لهم ختاما ، وأكمل دينه وأتمه إتماما ، ونصب له من العلماء من يدافع عنه توفيقا منه وإلهاما ، ومنح أهل التحقيق في توحيده بصائر وأحلاما ، فكان أبو الحسن الأشعري رحمه الله من الذين ألهمهم الله نصرة السنة بالبراهين العقلية والأدلة النقلية ، والأشعرية هم العدل الوسط بين المعتزلة والحشوية ، لم يبتعدوا عن النقل كما فعل المعتزلة 1 ، ولا عن العقل كعادة الحشوية 2 ، بل ورثوا الخير من تقدمهم ، وهجروا باطل كل فرقة، وحافظوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وملأوا الأرض علما .

اسمه وكنيته ومولده :

قال الإمام أبو بكر البيهقي : " هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر اسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى ابن أمير البصرة بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري اليماني البصري ، ولد سنة 260 للهجرة ، وقيل سنة سبعين ، وتوفي سنة 224 ببغداد جده أبو موسى ممن يؤخذ عنهم الفتيا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أحسن الناس صوتا في قراءة القرءان ، وينسب إلى الجُماهر بن الأشعر ، والأشعر من أولاد سبأ الذين كانوا باليمن ، هاجر أبو موسى الأشعري مع أخويه في بضع وخمسين من قومه إلى أرض الحبشة وأقاموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حتى قدموا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر . رزق من الأولاد والأحفاد مع الدراية والرواية والرعاية ما يكثر نشره ، وأساميهم في التواريخ مثبتة ، إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه " .

 

ثناء العلماء عليه :

ذكر الإمام القشيري أن أصحاب الحديث اتفقوا أن أبا الحسن علي بن اسمعيل الأشعري رضي الله عنه كان إماما من أئمة أصحاب الحديث ، ومذهبه مذهبهم تكلم في الأصول على طريقة أهل السنة ، ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة ، وكان على المعتزلة والمبتدعين والخارجين سيفا مسلولا ، تفقه الأشعري على أبي إسحق المروزي وزكريا بن يحيى الساجي.

قال الأستاذ الإمام الإسفراييني الفقيه الأصولي : " كنت في جنب الشيخ الباهلي كقطرة في البحر ، وسمعت الشيخ أبا الحسن الباهلي يقول : كنت أنا في جنب الأشعري كقطرة في جنب البحر ".

وقال البيهقي : " إن أبا الحسن الأشعري رحمه الله لم يحدث في دين الله حَدَثا ، ولم يأت فيه ببدعة ، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة وشرح وتبيين ، وأن ما قالوا في الأصول وجاء به الشرع صحيح في العقول خلاف ما زعم أهل الأهواء فكان في بيانه تقوية لنصرة أهل السنة والجماعة من الأئمة كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة ، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين ، وأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث كالبخاري ومسلم إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع رضي الله عنهم أجمعين .

وقال تاج الدين السبكي : لو أردنا استيعاب مناقب الشيخ الأشعري لضاقت بنا الأوراق ، وكلّت الأقلام ، ومن أراد معرفة قدره ، وأن يمتلىء قلبه من حبه فعليه بكتاب " تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الاشعري " الذي صنفه الحافظ ابن عساكر الدمشقي فهو من أجلّ الكتب ، وأعظمها فائدة وأحسنها ، قال ابن أبي الحجاج الأندلسي في فهرسته : لو لم يكن للحافظ ابن عساكر من المنّة على الأشعري إلا هذا الكتاب لكفى به .

وكان مشايخنا يأمرون الطلبة بالنظر فيه ، وقد زعم بعض الناس أن الشيخ الأشعري كان مالكيا وليس ذلك بصحيح ، إنما كان شافعيا تفقه على أبي إسحق المروزي ، نص على ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في " طبقات المتكلمين " والأستاذ أبو إسحق الاسفراييني فيما نقله عنه الشيخ أبو محمد الجويني في " شرح الرسالة " أما شيخ الأشاعرة من المالكية فهو الإمام القاضي أبو بكر الباقلاني .

مجانبته لأهل البدع وصحة اعتقاده :

نظر الإمام أبو الحسن الأشعري في كتب المعتزلة والجهمية فوجد أنهم عطلوا وأبطلوا وقالوا والعياذ بالله : " لا علم لله ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا حياة ولا بقاء ولا إرادة " ، وقالت الحشوية والمجسمة والعياذ بالله :" إن لله علما كالعلوم ، وقدرة كالقدر وسمعا كالأسماع وبصرا كالأبصار" فسلك رضي الله عنه طريقة بينهما فقال: " إن لله سبحانه علما لا كالعلوم ، وقدرة لا كالقدر ، وسمعا لا كالأسماع ، وبصرا لا كالأبصار " .

أما جهم بن صفوان 1 فقال : " العبد لا يقدر على إحداث شىء ولا على كسب شىء " .

وقالت المعتزلة والعياذ بالله : " هو ( أي العبد ) قادر على الكسب والإحداث معا " .

فسلك رضي الله عنه طريقة بينهما فقال : " العبد لا يقدر على الإحداث ويقدر على الكسب " ونفى قدرة الإحداث وأثبت قدرة الكسب .

وقالت الحشوية المشبهة والعياذ بالله : " إن الله سبحانه يُرى مكيفا محدودا كسائر المرئيات " ، وقالت المعتزلة والجهمية والنجارية والعياذ بالله :

" إنه سبحانه لا يرى بحال من الأحوال " ، فسلك رضي الله عنه طريقا بينهما فقال : " يرى من غير حلول ولا حدود ولا تكييف ، وهو غير محدود ولا مُكَيَّف " .

وقالت النجارية والعياذ بالله : " إن الله بكل مكان من غير حلول ولا جهة" ، وقالت الحشوية والمجسمة والعياذ بالله : " إنه سبحانه حالٌّ في العرش ، وإن العرش مكان له وهو جالس عليه " ، فسلك رضي الله عنهما طريقا بينهما فقال : " كان ولا مكان ، فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان ، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه " .

وقالت المرجئة والعياذ بالله : " من أخلص لله سبحانه مرة في إيمانه لا يكفر بارتداد ولا كفر ولا يكتب عليه كبيرة قط " ، وقالت المعتزلة : " إن صاحب الكبيرة مع إيمانه وطاعاته مائة سنة لا يخرج من النار قط " .

فسلك رضي الله عنه طريقا بينهما فقال : " المؤمن الموحد الفاسق هو في مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة ، وإن شاء عاقبه بفسقه ثم أدخله الجنة " .

اجتهاده في العبادة وزهده فيها :

كان الشيخ أبو الحسن الأشعري عجيبا في الذكاء وقوة الفهم وتبحره في العلم ، وكان قريبا من عشرين سنة يصلي صلاة الصبح بوضوء العتمة، وكان لا يحكي عن اجتهاده شيئا إلى أحد ، كان كثير الحياء في أمور الدنيا ونشيطا في أمور الآخرة ، وكان يأكل من غلَّة ضيعة جدّه بلال بن أبي بردة على عقبه ، وكانت نفقته في كل سنة سبعة عشر درهما لكل شهر درهم وقليل .

مصنفاته :

ذكر الإمام الأشعري رحمه الله في كتابه " العمد " أسماء أكثر كتبه . فمنها " الإبانة " و " الفصول " في الرد على الملحدين الخارجين عن الملة كالفلاسفة 1  والطبائعيين 2 الدهريين وأهل التشبيه ، والقائلين بأزلية الدهر ، ورد على البراهمة 3 و اليهود و المجوس 4 وهو كتاب يشتمل على اثنتي عشر كتابا ، وكتاب " إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان " وكتاب " اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع " و " اللمع الكبير " وكتاب " التفصيل في الرد على الإفك والتضليل " وكتاب" النقض على الجبّائي " والجبائي هذا رأس متكلمي المعتزلة وكتاب " مقالات المسلمين " و " جمل المقالات " و " الجوابات في الصفات " و " القامع لكتاب الخالدي " و " الدافع للمهذب " و " المختصر في التوحيد والقدر " و " كتاب الطبريين " و " الفنون " و " جواب المصريين " و " المسائل على أهل التثنية " و " تفسير القرءان " و " زيادات النوادر " و " جوابات أهل فارس " و " الجوهر " و " الاحتياج " و " الأخبار " و " الإيمان " و" أفعال النبي " و " دلائل النبوة " و " كشف الأسرار " و " والموجز " و" الاحتجاج " و " إثبات القياس " وغيرها كثير ، فقد كان الأشعري رحمه الله مكثرا في التصنيف ويقال إن تصانيفه بلغت أكثر من ثلاثمائة كتاب .

وكتاب " الإبانة " وهو من تأليف أبي الحسن ، لكن أكثر نسخه سقيمة وكل النسخ التي تنقل منها المجسمة القدماء منهم والمحدثون غير صحيحة لأنها لم تكن مقابلة بيد ثقة على نسخة قابلها ثقة وهكذا إلى أصل المؤلف الذي كتبه بخطه أو كتبه ثقة بإملاء المؤلف فقابله على المؤلف . وابن عساكر لم يسرد الإبانة كلها وإنما ذكر بعضا ليس فيه ما هو صريح في التجسيم والتشبيه ، بل يوجد في النسخ المطبوعة من الإبانة ما لا يخفى على جميع المسلمين أنه مفترى ولا يُصدّق على المبتدىء من طلاب العلم . وفي هذه النسخ السقيمة مما أدخلته الحشوية من الجمل التي لا يقول بها أدنى مسلم فكيف بالإمام الأشعري ؟!!! ومما يدل على تبرئة الأشعري من ذلك ما نقله عنه الشيخ ابن فورك رحمه الله فقد جمع كلامه في مؤلَّف وفيه من الكلام ما يدل على أن ما في الإبانة من التجسيم هو مفترى على أبي الحسن رحمه الله . ثم إن الإبانة ليست مؤلف أبي الحسن الوحيد ، وليست ءاخر مؤلفاته على الإطلاق بل مذهب الإمام من الأئمة ما أطبق عليه أصحابه الثقات على نسبته إليه ، ومسألة تنزيه الله عن التحيز في العرش والسماء وغيرهما من الأماكن مما عرف أنه طريق الأشعري بالتواتر على القطع والجزم فلا وجه للمرائي في ذلك .

مشاهير أصحابه :

إن فضل المقتدي يدل على فضل المقتدى به . فمن أصحابه الذين أخذوا عنه ومن أدركه ممن قال بقوله أو أخذ العلم عنه :

·       " محمد بن مجاهد الطائي " المتكلم صاحب أبي الحسن الأشعري ، وهو من أهل البصرة . سكن بغداد ، وله عدة مؤلفات في الأصول ، كان حسن السيرة والتدين .

·       " أبو الحسن الباهلي البصري " كان تلميذ الشيخ الأشعري ، وكان من شدة ورعه يدرس تلاميذه من وراء حجاب وكذلك جاريته كانت تخدمه من وراء حجاب .

·       " أبو الحسين بندار بن الحسين الشيرازي " الصوفي خادم أبي الحسن ، من أهل شيراز ، سكن أرجان وكان عالما بالأصول ، له اللسان المشهور في علم الحقيقة .

·       " أبو محمد الطبري " المعروف بالعراقي ، أهل جرجان يعرفونه بالمنجنيقي . كان والي قضاء جرجان وكان فصيح اللسان يناظر على مذهب الشافعي في الفقه ، وعلى مذهب الأشعري في الكلام .

·       " أبو بكر القفَّال الشاشي " إمام عصره ببلاد ما وراء النهر للشافعيين ، وأعلمهم بالأصول ، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث .

·       " أبو سهل الصعلوكي النيسابوري " وهو أديب لغوي نحوي شاعر متكلم مفسر .

·       " أبو زيد المروزي " وهو أحد أئمة المسلمين ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعي وأحسنهم نظرا وأزهدهم في الدنيا .

·       " أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي " وكان شيخا بعلوم الظاهر متمسكا بالشريعة .

·       " أبو بكر الجرجاني الإسماعيلي "  وكان بارا بوالديه لحقته بركة دعائهما .

·       " أبو الحسن عبد العزيز بن محمد بن اسحق الطبري " وكان من أعيان أصحاب أبي الحسن ، خرج إلى الشام ونشر بها مذهبه .

  ·   أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري  ، و أبو عبد الله الأصبهاني المعروف بالشافعي ، وأبو محمد القريشي الزهري ، وأبو بكر البخاري المعروف بالأودني ، وأبو منصور النيسابوري ، وأبو الحسن بن سمعون البغدادي ، وأبو عبد الرحمن الشروطي ، وأبو علي الفقيه السرخسي .

قال الإمام أبو نصر القشيري :

 

فهو على التحقيق مني بري

شيئان من يعذلني فيهما

ثم اعتقادي مذهب الأشعري

حب أبي بكر إمام الهدى

 

وقال بعض أهل الشام :

 

قد وفقوا للصواب

 

الأشعرية قوم

عن سنة أو كتاب

 

لم يخرجوا في اعتقاد

قال الإمام الجزري الإسكندراني :

 

كثرة المقالات البدع

 

خذ ما بدا لك أو فدع

دينا حنيفا شرع

 

إن النبي المصطفى

وبه البرية قد نفع

 

الله أيد شيخنا

شيخ الديانة والورع

 

الأشعري إمامنا

 

وقال بعضهم في مدحه :

 

كُفَّ اللسان عن البدع

 

قل للمخالف يا لُكع

واللعن للعلماء دع

 

وذَر التعصب جانبا

عدو أصحاب البدع

 

واعلم بأن الأشعري

سنن الرسول وما شرع

 

فهو المجيد الذب عن

جمع الديانة والورع

 

حبر تقي عالم

ما غاب نجم أو طلع

 

فعليه رحمة ربه

 

وبعد فإن ما ذكره علماء أهل الحق من معاصري الإمام الأشعري ومن جاء بعدهم في مدح طريقته وصحة اعتقاده ليثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أبا الحسن الأشعري إمام أهل السنة الجماعة وأن ما يدعيه المجسمة والمشبهة ونفاة التوسل بشأنه ما هو إلا محض افتراء يرمون من وراءه إلى نشر عقائدهم الفاسدة وهي التشبيه والتجسيم . ومن رام مزيد الاطلاع على سيرة إمامنا أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه فنحيله إلى حيث أحال الإمام تاج الدين السبكي في " طبقات الشافعية " المستزيدين من أخبار الأشعري ، ونعني بذلك كتاب " تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري " للإمام ابن عساكر الدمشقي . هذا ، وبالله التوفيق . .

 


1 المعتزلة : هم القدرية الذين يقولون " لا قدر " ويعتقدون أن الله تعالى خالق الخير دون الشر وأن العبد خالق لأعماله وأن المعصية تقع من العبد رغما عن إرادة الله .

2 الحشوية : وهم القائلون بالجهة والمكان لله حيث من عقائدهم التشبيه والتجسيم .

1  جهم بن صفوان هو رأس الجهمية  وإليه نسبوا ، وهم ينفون الكسب عن العبد فيجعلونه كالريشة في مهب الريح .

1  الفلاسفة : مثل أرسطو وأفلاطون والفارابي ونحوهم ، وهم القائلون بقدم العالم وأزليته ، والإمام الغزالي رد مستفيضا عليه .

2  الطبائعيون : وهم القائلون بأن الطبيعة – على زعمهم – هي الخالق .

3  البراهمة : وهم طائفة يكثر وجودها في الهند ، هم من منكري النبوة .

4  المجوس : عبدة النار ، وهم القائلون بخالقين ، فيزعمون أن النور خالق الخير وأن الظلمة تخلق الشر وهم فرق : منهم المانوية والديصانية والمزدكية .

 

ملخص لهذا المقال:

والحمد لله أوَّلا وءاخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد الأمين، وءاله الطاهرين، وصحابته الطيبين.

 

مواضيع ذات صلة: بعض علماء الأشاعرة | الصوفية | ابن حجر العسقلاني | الشيخ أحمد الرفاعي

صفحة الهرري ::

 

:: الصفحة الرئيسية